هل تعلم أن بورصة المملكة العربية السعودية تستحوذ على ما قيمته 50 في المئة من مجمل قيمة الأسهم في الأسواق العربية كلها، وأن أكبر ست بورصات عربية (السعودية، ابو ظبي، الكويت، دبي، الدوحة، القاهرة) تشكل أكثر من 90 في المئة من القيمة السوقية لأسهم الدول العربية. بينما تشكل قيمة الأسهم التي تتداول في هذه الأسواق الست ما نسبته 97 في المئة من مجموع الأسهم المتداولة في أسواق البورصة الخمس عشرة الموجودة في الوطن العربي؟
لقد وردت هذه الأرقام في الدراسة التي أعدها الدكتور هشام البساط من لبنان وقدمها في ندوة عقدت أخيراً في العاصمة الأردنية عمان بالتعاون بين مؤسسة عبدالحميد شومان والجمعية العربية للبحوث الاقتصادية. وكان عنوان الندوة «استثمار الفوائض المالية العربية».
من الواضح أن الوطن العربي في حاجة ماسة الى اجراء دراسة مستفيضة لتجربة الأسواق المالية العربية (البورصات) خلال الفترة 2003 – 2006، والتعرف الى الأسباب التي أدت الى هبوطها السريع، باستثناء الكويت وتونس، وقد تراوحت نسب الهبوط خلال الربع الأول من عام 2006 بين 37.6 في المئة في الجزائر الى 36.2 في المئة في فلسطين، ودبي 32 في المئة اما في الاسواق التي تراجعت، فقد بلغ معدل هبوطها 17 في المئة. وهذا الهبوط خلال الربع الأول من هذا العام استمر حتى في الربع الثاني من العام، ولا يزال هو الحالة المهيمنة على الاسواق خلال الربع الثالث.
والسؤال هو: هل هنالك تقصير جانب جهات الرقابة على البورصات حيث سمحت لكثير من المبالغات، والمعلومات الداخلية، والاشاعات، والائتمان المصرفي بأن تنفخ في الأسعار خلال فترة الصعود حتى وصلت الى حدود مبالغ فيها؟ أم أن التقصير جاء نتيحة لمبالغات المصارف في تقديم الائتمان لأغراض المضاربة. أم أنه يعود الى طبيعة السلوك البشري في هذه الأسواق، والى ما يسميه البعض ظاهرة «القطع» حيث يقلد الناس بحق كبار المضاربين ويلحقونهم ومن دون تفكير أو تدبر في الأمور وعواقبها.
ونرى أن هنالك مدرستين: المدرسة الأولى تقول أن ظروف ارتفاع اسعار النفط، ووفرة فائض الأموال هي التي خلقت هذا الطلب المجنون على الأسهم لأغراض المضاربة في قطاعي البورصة والعقار بسبب نقص القدرة الاستيعابية في القطاعات الانتاجية على سحب هذه الاموال واعادة استثمارها. وهنالك مدرسة ثانية تقول إن ظاهرة المضاربة ليست مرتبطة ولا متأثرة بما جرى من ارتفاع في اسعار النفط وعوائده، بل هي ظاهرة متعلقة بالاستثمار في قطاع العقار، وبالسلوك البشري للمواطنين في الوطن العربي. ولا داعي للقول إن هذه النظرية أكثر صواباً من الأخرى، بل إن الواضح ان كل واحدة منهما تقدم جزءاً في تفسير ما جرى.
وعندما بدأ المتحاورون في الندوة الحديث عن المستقبل، بدأت تتفاوت الاجتهادات حول ما يمكن عمله. فمن الملاحظ أن بعض الاقتصاديين في الوطن العربي يعتقدون بأن الظروف التي سادت ابان ما سمي هزة النفط قبل ثلاثين سنة لا تزال قائمة حتى الآن. وهذا أمر يتنافى مع الواقع.
وأول هذه الفروقات الاساسية هو اختلاف رد فعل الدول الصناعية على ارتفاع اسعار النفط. حينما اتهمت هذه الاسعار في سبعينات القرن الماضي بتقليل النمو وزيادة التضخم، نرى ان الدراسات قالت إن تأثير ارتفاع سعر النفط كان محدوداً على متغيري البطالة والتضخم.
وكذلك رأينا ان الطاقة الاستيعابية لدى الدول العربية قد تطورت كثيراً عما كانت عليه. فدولة كالمملكة العربية السعودية قد حددت استثمارات في المرافق والبنى التحتية والمؤسسات الانتاجية بمبالغ تقدر بمئات البلايين من الدولارات، وقس على ذلك بمقادير ادنى في دول الخليج الاخرى. وكذلك فإن المضاربة والاستثمار في العقار والشركات الجديدة كانت سريعة وقانصة للفرصة المتاحة.
ومن الفروقات المهمة ايضاً ان الدول النفطية لم تعد اقتصادات نفط، وإن كان النفط لا يزال حجر الزاوية في اقتصاداتها. ولكن رغبة هذه الاقتصادات في تنويع مصادر دخلها حقق لها، بفضل الادارة الجيدة والتخطيط السليم، ميزة نسبية في قطاعات ما كان يعتقد بأنها تملك المقومات المطلوبة مثل الصناعة والسياحة، والنقل الجوي والبحري، والضيافة، والاعلام كاستثمار، وحتى في مجال المعلوماتية والاتصالات.
ان المطلوب حالياً هو خلق حالة من الحوار تبدأ اصلاً من تنظيم العلاقة بين اسواق البورصات العربية، وفتحها على بعضها البعض، وتسهيل انتقال الاموال ووضع نظام للمقاصة. واذا صارت الاسواق سوقاً واحدة، فإن الكل يستفيد، وتقلّ حساسية الاسواق للتقلبات الضارة والهبوط المكلف السريع.
* نقلاً عن جريدة "الحياة" اللندنية.